الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
(وَهِيَ) أَيْ النَّجَاسَةُ لُغَةً: ضِدُّ الطَّهَارَةِ وَشَرْعًا (عَيْنٌ) كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ (أَوْ صِفَةٌ) كَأَثَرِ بَوْلٍ بِمَحَلٍّ طَاهِرٍ (مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهَا بِلَا ضَرُورَةٍ، لَا لِأَذًى فِيهَا طَبْعًا) احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ السُّمِّيَّاتِ مِنْ النَّبَاتِ، فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِمَّا يَضُرُّ مِنْهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ لِأَذَاهَا و(لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) احْتِرَازًا عَنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، أَوْ عَنْ صَيْدِ الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ (أَوْ) لِحَقِّ (غَيْرِهِ شَرْعًا) احْتِرَازًا عَنْ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ لِحَقِّ مَالِكِهِ زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَا لِحُرْمَتِهَا، احْتِرَازًا عَنْ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا، احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ مَنِيٍّ وَمُخَاطٍ (حَيْثُ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا) مُتَعَلِّقٌ بِاجْتِنَابِ (بَدَنَ مُصَلٍّ) مَنْصُوبٌ بِاجْتِنَابٍ (وَثَوْبَهُ وَبُقْعَتَهُمَا) مَعْطُوفٌ عَلَى بَدَنٍ (وَعَدَمِ حَمْلِهَا) عَطْفٌ عَلَى اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ: قَوْلُهُ (شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ} وَقَوْلِهِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ {اُقْرُصِيهِ وَصَلِّي فِيهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، إذْ بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ} وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. وَالنَّهْيُ عَنْهُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ حَامِلٍ مُسْتَجْمِرًا) لِأَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي مَحَلِّهِ (أَوْ) مِنْ حَامِلٍ (حَيَوَانًا طَاهِرًا) كَالْهِرِّ، لِأَنَّ مَا بِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فِي مَعِدَتِهَا فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي و{صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ} (وَ) تَصِحُّ (مِمَّنْ مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا) نَجِسًا (أَوْ حَائِطًا نَجِسًا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِثَوْبِهِ وَلَا بَدَنِهِ. فَإِنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْبُقْعَةِ لَهُ (أَوْ) أَيْ وَتَصِحُّ مِمَّنْ (قَابَلَهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَمْ يُلَاقِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِصَلَاتِهِ وَلَا مَحْمُولًا فِيهَا. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُصِبْهَا، فَإِنْ لَاقَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (أَوْ صَلَّى عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ مِنْ) حَصِيرٍ أَوْ بِسَاطٍ (مُتَنَجِّسٍ طَرَفُهُ) فَتَصِحُّ (وَلَوْ تَحَرَّكَ) الْمُتَنَجِّسُ (بِحَرَكَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ يَنْجَرُّ بِهِ) وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَاسَةٍ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا مُصَلٍّ عَلَيْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَرْضٍ نَجِسَةٍ، فَإِنْ كَانَ النَّجَسُ مُتَعَلِّقًا بِالْمُصَلِّي بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى، كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَاسَةٍ، أَوْ حَيَوَانٌ نَجِسٌ أَوْ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا نَجَاسَةٌ بِحَيْثُ تَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِلنَّجَاسَةِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَامِلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ كَبِيرَةً، أَوْ الْحَيَوَانُ كَبِيرًا، لَا يَقْدِرُ عَلَى جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى عَلَيْهِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّبِعٍ لَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ مَا لَا يَنْجَرُّ تَصِحُّ لَوْ انْجَرَّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَوْلَى. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ حَبْلٌ طَرَفُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ. فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُوَفَّقِ: الصِّحَّةُ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: لَا تَصِحُّ (أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ) نَجَاسَةٌ (فَزَالَتْ) سَرِيعًا (أَوْ أَزَالَهَا سَرِيعًا) فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ. لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ {فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ. فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَك فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، قَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهَا قَذَرًا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ زَمَنِهَا. كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ و(لَا) تَصِحُّ صَلَاتُهُ (إنْ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (عَنْهُ) سَرِيعًا، لِإِفْضَائِهِ إلَى اسْتِصْحَابِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ زَمَنًا طَوِيلًا. أَوْ لِعَمَلٍ كَثِيرٍ. إنْ أَخَذَ يُطَهِّرُهَا (أَوْ نَسِيَهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (أَوْ جَهِلَ عَيْنَهَا) بِأَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ (أَوْ) جَهِلَ (حُكْمَهَا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ (أَوْ) جَهِلَ (أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلِمَ) تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ وَلَا بِالْجَهْلِ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَعَنْهُ: تَصِحُّ صَلَاتُهُ إذَا نَسِيَ، أَوْ جَهِلَ النَّجَاسَةَ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ (أَوْ حَمَلَ قَارُورَةً) بَاطِنُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (أَوْ) حَمَلَ (آجُرَّةً) وَاحِدَةً الْآجُرُّ، وَهُوَ الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ (بَاطِنُهَا نَجِسٌ أَوْ) حَمَلَ (بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ، أَوْ) حَمَلَ بَيْضَةً (مَذِرَةً، أَوْ) (عُنْقُودًا) مِنْ عِنَبٍ (حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً فِي غَيْرِ مَعِدَتِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ حَمَلَهَا فِي كَمِّهْ. (وَإِنْ طَيَّنَ) أَرْضًا (نَجِسَةً) وَصَلَّى عَلَيْهَا (أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ طَاهِرًا صَفِيقًا أَوْ رَطْبَةٍ وَلَمْ تَنْفُذْ إلَى ظَاهِرِهِ (أَوْ) بَسَطَ (عَلَى حَيَوَانٍ نَجِسٍ) طَاهِرًا صَفِيقًا (أَوْ) بَسَطَ عَلَى (حَرِيرٍ طَاهِرًا صَفِيقًا) لَا خَفِيفًا أَوْ مُهَلْهَلًا (أَوْ غَسَلَ وَجْهَ آجُرٍّ وَصَلَّى عَلَيْهِ، أَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ بَاطِنُهُ فَقَطْ نَجِسٌ) وَظَاهِرُهُ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ (أَوْ) صَلَّى عَلَى (عُلْوٍ سُفْلُهُ غَصْبٌ، أَوْ) صَلَّى عَلَى (سَرِيرٍ تَحْتَهُ نَجِسٌ كُرِهَتْ) صَلَاتُهُ، لِاعْتِمَادِهِ عَلَى مَا لَا تَصِحُّ عَلَيْهِ (وَصَحَّتْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَا مُبَاشِرًا لِمَا لَا تَصِحُّ عَلَيْهِ. (وَإِنْ خِيطَ جُرْحٌ أَوْ جُبِرَ عَظْمٌ) مِنْ آدَمِيٍّ (ب) خَيْطٍ (نَجِسٍ أَوْ عَظْمٍ نَجِسٍ فَصَحَّ) الْجُرْحُ أَوْ الْعَظْمُ (لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ) أَيْ النَّجِسِ مِنْهُمَا (مَعَ) خَوْفِ (ضَرَرٍ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ حُصُولِ مَرَضٍ؛ لِأَنَّ حِرَاسَةَ النَّفْسِ وَأَطْرَافِهَا وَاجِبٌ وَأَهَمُّ مِنْ رِعَايَةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ مَاءٍ وَلَا سُتْرَةٍ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِذَا جَازَ تَرْكُ شَرْطٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، فَتَرْكُ شَرْطٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِحِفْظِ بَدَنِهِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لَزِمَهُ (وَ) حَيْثُ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ (لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) أَيْ الْخَيْطِ أَوْ الْعَظْمِ النَّجِسِ (إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ) لِإِمْكَانِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فِي جَمِيعِ مَحَلِّهَا، فَإِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ تَيَمَّمَ لَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ غَسْلِهِ (وَمَتَى وَجَبَتْ) إزَالَتُهُ (فَمَاتَ) قَبْلَ إزَالَتِهِ (أُزِيلَ) وُجُوبًا لِقِيَامِ مَنْ يَلِيه مَقَامَهُ (إلَّا مَعَ الْمُثْلَةِ) بِإِزَالَتِهِ فَتَسْقُطُ لِلضَّرَرِ بِهَا، كَالْحَيِّ (وَلَا يَلْزَمُ شَارِبَ خَمْرٍ قَيْءٌ) لِلْخَمْرِ، لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَسْتَوِي فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ. وَكَذَا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ تَحْصُلُ بِالْجَوْفِ (وَإِنْ أُعِيدَتْ سِنُّ) آدَمِيٍّ قُلِعَتْ (أَوْ) أُعِيدَتْ (أُذُنٌ) مِنْهُ قُطِعَتْ (أَوْ) أُعِيدَ (نَحْوُهُمَا) مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا (فَثَبَتَتْ) أَوْ لَمْ تَثْبُتْ (فَ) هِيَ (طَاهِرَةٌ) لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ، فَحُكْمُهُمَا حُكْمُهُ. وَتَقَدَّمَ: مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ كَمَيْتَتِهِ.
(وَلَا تَصِحُّ تَعَبُّدًا صَلَاةُ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ (فِي مَقْبَرَةٍ) قَدِيمَةٍ أَوْ حَدِيثَةٍ تَقَلَّبَتْ أَوْ لَا، وَهِيَ مَدْفَنُ الْمَوْتَى. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ (وَلَا يَضُرُّ) صِحَّةَ الصَّلَاةِ (قَبْرَانِ وَلَا مَا دُفِنَ بِدَارِهِ) وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ قُبُورٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَقْبَرَةً، بَلْ هِيَ ثَلَاثَةُ قُبُورٍ فَأَكْثَرُ، نَقَلَهُ فِي الِاخْتِبَارَاتِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَبُنِيَ لَفْظُهَا مِنْ الْقَبْرِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَثُرَ بِمَكَانٍ جَازَ أَنْ يُبْنَى لَهُ اسْمٌ مِنْ اسْمِهِ كَمَسْبَعَةٍ وَمَضْبَعَةٍ لِمَا كَثُرَ فِيهِ مِنْ السِّبَاعِ وَالضِّبَاعِ، وَأَمَّا الْخَشْخَاشَةُ وَتُسَمَّى الْفَسْقِيَّةَ فِيهَا أَمْوَاتٌ كَثِيرُونَ، فَهِيَ قَبْرٌ وَاحِدٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ بَحْثًا. (وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ (فِي حَمَّامٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا (فِيمَا يَتْبَعُهُ فِي بَيْعٍ) لِتَنَاوُلِ اسْمِهِ لَهُ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَانِ الْغُسْلِ وَالْمَسْلَخِ وَالْأَتُونِ وَكُلِّ مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُهُ (وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ فِي (حَشٍّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضْمِهَا فَيُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ بَابِهِ، وَلَوْ غَيْرَ مَوْضِعِ الْكَنِيفِ، وَلَوْ مَعَ طَهَارَتِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ الْكَلَامِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، كَانَ مَنْعُ الصَّلَاةِ أَوْلَى، وَهُوَ لُغَةً الْبُسْتَانُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ: لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبُسْتَانِ، وَهِيَ الْحُشُوشُ: فَسُمِّيَتْ الْأَخْلِيَةُ فِي الْحَضَرِ حُشُوشًا بِذَلِكَ. (وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ فِي (أَعْطَانِ إبِلٍ) جَمْعُ عَطَنٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَهِيَ الْمَعَاطِنُ جَمْعُ مَعْطِنٍ بِكَسْرِهَا لِحَدِيثِ {صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيث أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ " وَهِيَ " أَيْ الْأَعْطَانُ (مَا تُقِيمُ فِيهَا) الْإِبِلُ (وَتَأْوِي إلَيْهَا) طَاهِرَةً كَانَتْ أَوْ نَجِسَةً، فِيهَا إبِلٌ حَالَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَأَمَّا مَا تَبِيتُ فِيهِ الْإِبِلُ فِي مَسِيرهَا أَوْ تَنَاخُ فِيهِ لِعَلَفِهَا أَوْ سَقْيِهَا، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَطَنٍ. (وَ) لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ أَيْضًا (فِي مَجْزَرَةٍ) مَكَانَ الذَّبْحِ (وَ) لَا فِي (مَزْبَلَةٍ) مَلْقَى الزُّبَالَةِ. (وَ) لَا فِي (قَارِعَةِ الطَّرِيقِ) أَيْ مَحَلِّ قَرْعِ الْأَقْدَامِ مِنْ الطَّرِيقِ. وَهِيَ الْمَحَجَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سَالِكٌ أَوْ لَا. لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ، وَمَعْطِنُ الْإِبِلِ، وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. وَتَصِحُّ فِي طَرِيقِ أَبْيَاتٍ قَلِيلَةٍ (وَ) لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ تَعَبُّدًا أَيْضًا عَلَى (أَسْطِحَتِهَا) أَيْ أَسْطِحَةِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ لِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنْ اللُّبْثِ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا بِدُخُولِ سَطْحِهَا (وَ) لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا قَصْدًا فِي (سَطْحِ نَهْرٍ) وَكَذَا سَابَاطٌ وَجِسْرُهَا عَلَيْهِ. قَالَ السَّامِرِيُّ: لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كَالطَّرِيقِ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِالصِّحَّةِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَدْبَغَةِ (سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ) فَتَصِحُّ لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَبْرِ فَيَكُونُ مُخَصَّصًا لِلنَّهْيِ السَّابِقِ (وَسِوَى جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا) كَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ (بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ) بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ الْمُصَلَّى وَاضْطُرُّوا لِلصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ لِلْحَاجَةِ (وَ) سِوَى جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا بِمَوْضِعِ (غَصْبٍ) أَيْ مَغْصُوبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا الْإِمَامُ فِي الْغَصْبِ وَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ فَاتَتْهُمْ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْخَوَارِجِ وَالْمُبْتَدِعَةِ فِي الطَّرِيقِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. وَكَذَلِكَ الْأَعْيَادُ وَالْجِنَازَةُ (وَ) سِوَى الصَّلَاةِ (عَلَى رَاحِلَةٍ بِطَرِيقٍ) عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ مُوَضَّحًا (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْأَمَاكِنِ الْمُتَقَدِّمَةِ (لِعُذْرٍ) كَمَا لَوْ حُبِسَ فِيهَا، بِخِلَافِ خَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (إلَيْهَا) لِحَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا {لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا إلَيْهَا} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ. فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ (بِلَا حَائِلٍ) فَإِنْ كَانَ حَائِلٌ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ (وَلَوْ) كَانَ (كَمُؤَخَّرَةِ رَحْلٍ) كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي، فَلَا يَكْفِي الْخَطُّ، وَيَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُمْ: لَا يَضُرُّ بَعْدَ كَثِيرٍ عُرْفًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي. و(لَا) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ (فِيمَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ الْمُسَافِرِ يَمْنَةً وَيَسَرَةً) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَجَّةٍ (وَلَوْ غُيِّرَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، مَوَاضِعُ النَّهْيِ (بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا) كَجَعْلِ حَمَّامٍ دَارًا (أَوْ مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ صَحَّتْ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ. وَكَذَا لَوْ نُبِشَتْ قُبُورٌ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ وَحُوِّلَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى، وَجُعِلَتْ مَسْجِدًا لِقِصَّةِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (وَكَمَقْبَرَةٍ) فِي الصَّلَاةِ فِيهَا (مَسْجِدٌ حَدَثَ بِهَا) أَيْ الْمَقْبَرَةِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ لِعُذْرٍ. قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيث انْتَهَى. وَإِنْ حَدَثَتْ الْقُبُورُ بَعْدَهُ، حَوْلَهُ أَوْ فِي قِبْلَتِهِ، كُرِهَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهَا بِلَا حَائِلٍ، وَفِي الْهَدْيِ: لَوْ وُضِعَ الْقَبْرُ وَالْمَسْجِدُ مَعًا. لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ. اهـ. وَلَوْ حَدَثَ طَرِيقٌ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ صَحَّتْ فِيهِ (وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ) الصَّلَاةِ (فِي الْكَعْبَةِ وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَالشَّطْرُ: الْجِهَةُ وَالْمُصَلِّي فِيهَا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لِجِهَتِهَا، وَلِأَنَّهُ يَسْتَدْبِرُ مِنْ الْكَعْبَةِ مَا لَوْ اسْتَقْبَلَهُ مِنْهَا خَارِجَهَا صَحَّتْ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَدَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى وَالْجِدَارُ لَا أَثَرَ لَهُ إذْ الْمَقْصُود الْبُقْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي إلَيْهَا حَيْثُ لَا جِدَارَ (إلَّا إذَا وَقَفَ) الْمُصَلِّي (عَلَى مُنْتَهَاهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ) مِنْهَا (أَوْ) وَقَفَ (خَارِجَهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ (وَسَجَدَ فِيهَا) فَيَصِحُّ فَرْضُهُ، لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرُ مُسْتَدْبِرٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا، كَمَا لَوْ صَلَّى إلَى أَحَدِ أَرْكَانِهَا (وَتَصِحُّ نَافِلَةٌ) فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا. (وَ) تَصِحُّ (مَنْذُورَةٌ فِيهَا وَعَلَيْهَا) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْت أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيت بِلَالًا، فَسَأَلْته: هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، عَنْ يَسَارِك إذَا دَخَلْت، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَلَا يُعَارِضُهُ رِوَايَتُهُمَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ، وَلَا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ}؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ كَانَ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأَوْلَى وَصَلَّى فِي الثَّانِيَةِ، كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَأُلْحِقَ النَّذْرُ بِالنَّفْلِ، وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ يُحْذَى بِهِ حَذْوَ الْفَرَائِضِ (مَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى مُنْتَهَاهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا فِيهِ (وَيُسَنُّ نَفْلُهُ) أَيْ تَنَفُّلُهُ بِالصَّلَاةِ (فِيهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا نَفْلُهُ (فِي الْحِجْرِ، وَهُوَ مِنْهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ نَصًّا. لِخَبَرِ عَائِشَةَ (وَقَدْرُهُ) أَيْ الْحِجْرِ الدَّاخِلِ فِي حُدُودِ الْبَيْتِ (سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ) فَلَا يَصِحُّ اسْتِقْبَالُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ يَطُوفُ مِنْ وَرَائِهِ جَمِيعِهِ احْتِيَاطًا (وَيَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ) أَيْ الْحِجْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (وَالْفَرْضُ فِيهِ) أَيْ الْحِجْرِ (كَدَاخِلِهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ، لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهُ وَلَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ. أَوْ وَقَفَ خَارِجَهُ وَسَجَدَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَعْبَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ ( وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (بِأَرْضِ الْخَيْفِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا كُلُّ بُقْعَةٍ نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ، كَأَرْضِ بَابِلَ وَالْحِجْرِ وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَتُكْرَهُ أَيْضًا فِي مَقْصُورَةٍ تُحْمَى نَصًّا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَصُّ بِالظَّلَمَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْت فِي الرَّحَى بِشَيْءٍ، وَتَصِحُّ فِي أَرْضِ السِّبَاخِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا تُكْرَهُ (بِبَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ) وَلَوْ مَعَ صُوَرٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ، لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ. وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَزْرُوعَةً، أَوْ عَلَى مُصَلَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِلَا غَصْبٍ وَلَا ضَرَرٍ.
شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} قَالَ عَلِيٌّ: شَطْرُهُ قِبَلُهُ. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ} وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي أَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَصْلُ الْقِبْلَةِ لُغَةً: الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءَ غَيْرُهُ عَلَيْهَا، كَالْجِلْسَةِ ثُمَّ صَارَتْ كَالْعَلَمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا الْمُصَلِّي لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا، {وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ نَحْوَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا} اُخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضَهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ (مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ كَالْمَرْبُوطِ وَالْمَصْلُوبِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَالْعَاجِزِ عَنْ الِالْتِفَاتِ لِلْقِبْلَةِ، لِمَرَضٍ أَوْ مَنْعِ مُشْرِكٍ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْتِحَامِ حَرْبٍ، أَوْ هَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ سَقَطَ الِاسْتِقْبَالُ وَصَلَّى عَلَى حَالِهِ لِحَدِيثِ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (إلَّا فِي نَفْلِ مُسَافِرٍ وَلَوْ) كَانَ (مَاشِيًا) فَيُصَلِّي لِجِهَةِ سَيْرِهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِلْخَبَرِ فِي الرَّاكِبِ وَيَأْتِي. وَأُلْحِقَ بِهِ الْمَاشِي، لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي خُسُوفِ الِانْقِطَاعِ عَنْ الْقَافِلَةِ فِي السَّفَرِ (سَفَرًا مُبَاحًا) أَيْ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَلَا مُحَرَّمٍ. لِأَنَّ نَفْلَهُ كَذَلِكَ رُخْصَةٌ، وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي (وَلَوْ) كَانَ السَّفَرُ (قَصِيرًا) نَصَّ عَلَيْهِ، فِيمَا دُونَ فَرْسَخٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عُمَرَ " نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً " وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ " إلَّا الْفَرَائِضَ " وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ فِي التَّطَوُّعِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْلِيلِهِ أَوْ قَطْعِهِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ. و(لَا) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ فِي نَفْلِ رَاكِبٍ (تَعَاسِيفَ) وَهُوَ رُكُوبُ الْفَلَاةِ وَقَطْعِهَا عَلَى غَيْرِ صَوْبٍ، كَمَا لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ (لَكِنْ إنْ لَمْ يُعْذَرْ مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ) إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، بِأَنْ عَلِمَ بِعُدُولِهَا وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهَا وَلَمْ يَفْعَل بَطَلَتْ. (أَوْ عَدَلَ هُوَ إلَى غَيْرِهَا) أَيْ لِقِبْلَةٍ (عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ) بِعُدُولِهِ بَطَلَتْ، لِأَنَّهُ تَرَكَ قِبْلَتَهُ عَمْدًا، وَسَوَاءٌ طَالَ عُدُولُهُ أَوْ لَا (أَوْ عُذِرَ) مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ، لِعَجْزِهِ عَنْهَا لِجِمَاحِهَا أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ عُذِرَ مَنْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهَا لِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ جَهْلٍ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا جِهَةُ سَيْرِهِ (وَطَالَ) عُدُولُ دَابَّتِهِ أَوْ عُدُولُهُ عُرْفًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِير مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ، فَيُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ. فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ وَلَمْ يَطُلْ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ عُذْرُهُ لِسَهْوٍ سَجَدَ لَهُ وَيُعَايَا بِهَا، فَيُقَالُ: شَخْصٌ سَجَدَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ إمَامًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعُدُولُ إلَى الْقِبْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا هُوَ الْأَصْلُ، وَإِذَا دَاسَ نَجَاسَةً عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لَا إنْ دَاسَهَا مَرْكُوبُهُ (وَإِنْ وَقَفَ) الْمُسَافِرُ الْمُتَنَفِّلُ لِجِهَةِ سَيْرِهِ (لِتَعَبِ دَابَّتِهِ، أَوْ) وَقَفَ (مُنْتَظِرًا رُفْقَةً، أَوْ) وَقَفَ لِكَوْنِهِ (لَمْ يَسِرْ لِسَيْرِهِمْ) أَيْ الرُّفْقَةِ (أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ، أَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (اسْتَقْبَلَ) الْقِبْلَةَ (وَيُتِمُّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ كَالْخَائِفِ يَأْمَنُ فِي أَثَنَاء الصَّلَاةِ (وَيَصِحُّ) أَيْ يَنْعَقِدُ (نَذْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا) أَيْ الرَّاحِلَةِ، بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ (وَإِنْ رَكِبَ مَاشٍ) مُتَنَفِّلٌ (فِي نَفْلٍ أَتَمَّهُ) رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ مُخْتَلَفٍ فِي التَّنَفُّلِ فِيهَا إلَى حَالَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيهَا، مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا حَالَةَ سَيْرٍ (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِرُكُوبِ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَاشِي، فَلَوْ تَنَفَّلَ النَّازِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ، وَرَكِبَ فِي أَثَنَاءِ نَفْلِهِ. بَطَلَ، سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ حَالَةُ إقَامَةٍ، فَرُكُوبُهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ (وَ) يَجِبُ (عَلَى) مُسَافِرٍ (مَاشٍ) يَتَنَفَّلُ (إحْرَامٌ إلَى الْقِبْلَةِ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ إلَيْهَا) بِالْأَرْضِ، لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَيَفْعَلُ مَا سِوَاهُ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ. وَصَحَّحَ الْمَجْدُ: يُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ كَرَاكِبٍ (وَيَسْتَقْبِلُ) الْقِبْلَةَ مُتَنَفِّلٌ (رَاكِبٌ) فِي كُلِّ صَلَاتِهِ (وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) وُجُوبًا (إنْ أَمْكَنَ) ذَلِكَ (بِلَا مَشَقَّةٍ) كَرَاكِبِ الْمِحَفَّةِ الْوَاسِعَةِ وَالسَّفِينَةِ وَالرَّاحِلَةِ الْوَاقِفَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ فِي عَدَمِ الْمَشَقَّةِ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدُورَ فِي السَّفِينَةِ وَالْمِحَفَّةِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْفَرْضِ لَزِمَهُ نَصًّا، غَيْرَ مَلَّاحٍ لِحَاجَتِهِ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ الِافْتِتَاحُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَتَى بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَأَوْمَأَ بِهِمَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَافَرَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، كَرَاكِبِ بَعِيرٍ مَقْطُورٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِدَارَةُ بِنَفْسِهِ، أَوْ رَاكِبِ حَرُونٍ تَصْعُبُ عَلَيْهِ إدَارَتُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ (فَ) يُحْرِمُ (إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ وَيُومِئُ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ. (وَيَلْزَمُ قَادِرًا) عَلَى الْإِيمَاءِ (جَعْلُ سُجُودِهِ أَخْفَضَ) مِنْ رُكُوعِهِ. لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: {بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَجِئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (و) تَلْزَمُهُ (الطُّمَأْنِينَةُ) لِأَنَّهَا رُكْنٌ قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بِالْأَرْضِ. وَتَجُوزُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ مِنْ وِتْرٍ وَغَيْرِهِ لِلْمُسَافِرِ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ {رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَا تَحْتَ الرَّاكِبِ مِنْ نَحْوِ بَرْذَعَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ نَجِسَ الْعَيْنِ وَلَا كَرَاهَةَ هُنَا لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارِهِ: النَّفَلَ} وَرَاكِبُ الْقُمَارِيَّةِ يَدُورُ فِيهَا إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْفَرْضِ، كَرَاكِبِ السَّفِينَةِ.
(وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنْهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ: وَهُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ إصَابَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ بِبَدَنِهِ، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ، فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِنَظَرِهِ أَوْ عِلْمِهِ، أَوْ خَبَرِ عَالِمٍ بِهِ، فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَ بِهَا كَثِيرًا يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ حَادِثٍ كَالْأَبْنِيَةِ (أَوْ) أَيْ وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ (مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إصَابَةُ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ) لِأَنَّ قِبْلَتَهُ مُتَيَقَّنَةُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ. وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ} قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَةٌ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلَ مِنْهَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ: صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ، وَقَدْ فَعَلَهُ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيث الْمَذْكُورِ انْتَهَى. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ: فَرْضُهُ: اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ، أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ الِانْحِرَافُ عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، كَمَنْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ بِالنَّصِّ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ: قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي مَعْنَاهُ أَيْ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْضِعٍ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ إذَا ضُبِطَتْ جِهَتُهُ (وَلَا يَضُرُّ عُلُوٌّ) عَنْ الْكَعْبَةِ، كَالْمُصَلِّي عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ. (وَ) لَا يَضُرُّ (نُزُولٌ) عَنْهَا، كَمَنْ فِي حُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ، فَنَزَلَ بِهَا عَنْ مُسَامَتَتِهَا، لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا أَثَرَ لَهُ، وَالْمَقْصُود الْبُقْعَةُ وَهَوَاؤُهَا. وَلِذَلِكَ يُصَلِّي إلَيْهَا حَيْثُ لَا جِدَارَ (إلَّا إنْ تَعَذَّرَ) عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا (بِحَائِلٍ أَصْلِيٍّ كَجَبَلٍ) كَالْمُصَلِّي خَلْفَ أَبِي قُبَيْسٍ (فَ) إنَّهُ (يَجْتَهِدُ إلَى عَيْنِهَا) لِحَدِيثِ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وَالْأَعْمَى أَوْ الْغَرِيبُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِنَحْوِ دَارٍ بِمَكَّةَ: فَرْضُهُ الْخَبَرُ عَنْ يَقِينٍ. وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ، كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ (وَ) فَرْضُ (مَنْ بَعُدَ) عَنْ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و(هُوَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ) كَذَلِكَ و(لَا) يَقْدِرُ (عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ) بِالْيَقِينِ (عَنْ عِلْمِ إصَابَةِ الْجِهَةِ) أَيْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ (بِالِاجْتِهَادِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ لَا يُقَالُ: مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ، لَا مَعَ عَدَمِهِ (وَيُعْفَى عَنْ انْحِرَافٍ يَسِيرٍ) يَمْنَةً وَيَسْرَةً، لِلْخَبَرِ، وَإِصَابَةُ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ مُتَعَذِّرَةٌ. فَسَقَطَتْ وَأُقِيمَتْ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَعْرِفَةُ فَرْضِهِ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِهَةٍ (بِخَبَرِ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ ظَاهِرًا وبَاطِنًا) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (عَنْ يَقِينٍ) وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِالْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ، أَوْ نَجْمٍ، فَأَخَذَ الْقِبْلَةَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَمْ يَجْتَهِدْ كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ. وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِخَبَرِ صَغِيرٍ، وَلَا فَاسِقٍ وَلَا عَدْلٍ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى قِبْلَتِهِ؛ أَيْ الْفَاسِقِ فِي بَيْتِهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ كَانَ هُوَ عَمِلَهَا فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ بِهَا وَإِنْ شَكَّ فِي حَالِهِ قُبِلَ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ. لَا إنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (أَوْ) أَمْكَنَهُ (الِاسْتِدْلَال) عَلَى الْقِبْلَةِ (بِمَحَارِيبَ عُلِمَ أَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ) عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْصَارِ إجْمَاعٌ عَلَيْهَا. وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ وَلَمْ يَعْلَمْهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بِقَرْيَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَحَارِيبَ يَعْمَلُ بِهَا لَزِمَهُ السُّؤَالُ. (وَمَتَى اشْتَبَهَتْ) الْقِبْلَةُ (سَفَرًا) وَحَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ (اُجْتُهِدَ فِي طَلَبِهَا) وُجُوبًا (بِالدَّلَائِلِ) جَمْعِ دَلِيلٍ بِمَعْنَى دَالٍّ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ، كَالْحَاكِمِ فِي الْحَادِثَةِ (وَيُسْتَحَبُّ تَعَلُّمُهَا) أَيْ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (مَعَ أَدِلَّةِ الْوَقْتِ) وَلَمْ يَجِبْ لِنُدْرَتِهِ (فَإِنْ دَخَلَ) الْوَقْتُ (وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ) أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ (لَزِمَهُ) تَعَلُّمُهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ مَعَ قِصَرِ زَمَنِهِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهُ لَمْ تَصِحَّ، ذَكَرَهُ فِي الشَّارِحِ (وَيُقَلِّدُ لِضَيْقِهِ) أَيْ الْوَقْتِ عَنْ تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ. وَلَا يُعِيدُ: لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلضَّرُورَةِ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ، وَالدَّلِيلُ هُنَا: أُمُورٌ، أَصَحُّهَا النُّجُومُ، قَالَ تَعَالَى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا} وَقَالَ عُمَرُ " تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ " وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَحْمَدَ: مَا تَرَى فِي تَعَلُّمِ هَذِهِ النُّجُومِ، الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَمْ مَضَى مِنْ النَّهَارِ، وَكَمْ يَبْقَى؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ تَعَلُّمَهَا (وَأَثْبَتُهَا الْقُطْبُ) بِتَثْلِيثِ الْقَافِ، حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ وَيُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ، وَيَلِيه الْجَدْيُ (وَهُوَ) أَيْ الْقُطْبُ (نَجْمٌ) خَفِيٌّ شَمَالِيٌّ يَرَاهُ حَدِيدُ الْبَصَرِ إذَا لَمْ يَقْوَ نُورُ الْقَمَرِ وَحَوْلَهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كَفَرَاشَةِ الرَّحَا فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا الْفَرْقَدَانِ، وَفِي الْأُخْرَى الْجَدْيُ، وَحَوْلَهَا بَنَاتُ نَعْشٍ مِمَّا يَلِي الْفَرْقَدَيْنِ، تَدُورُ حَوْلَهَا (يَكُونُ) الْقُطْبُ (وَرَاءَ ظَهْرِ الْمُصَلِّي بِالشَّامِ وَمَا حَاذَاهَا) كَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَسَائِرِ الْجَزِيرَةِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ إلَّا تَفَاوُتًا يَسِيرًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ (وَ) يَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي (خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى بِالْمَشْرِقِ)، وَيَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي (عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ بِمِصْرَ وَمَا وَالَاهَا) مِنْ الْبِلَاد (وَ) مِنْ دَلِيلِ الْقِبْلَةِ (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَمَنَازِلُهُمَا وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا) أَيْ بِمَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (وَمَا يُقَارِبُهَا، كُلُّهَا تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَتَغْرُبُ بِالْمَغْرِبِ) وَالْمَنَازِلُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَامِيَّةً تَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً عَنْهُ إلَى الشِّمَالِ أَوَّلُهَا السَّرَطَانُ، وَآخِرُهَا السِّمَاكُ. وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَمَانِيَّةٌ، تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً إلَى الْيَمِينِ، وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ رَقِيبٌ مِنْ الْيَمَانِيَّةِ، إذَا طَلَعَ أَحَدُهُمَا غَابَ رَقِيبُهُ. فَأَوَّلُ الْيَمَانِيَّةِ وَآخِرُ الشَّامِيَّةِ يَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ، وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ نُجُومٌ تُقَارِبُهُ وَتَسِيرُ بِسَيْرِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، يَكْثُرُ عَدَدُهَا، فَحُكْمُهَا حُكْمُهُ، يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَيْهِ. وَعَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. (وَ) مِنْ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ (الرِّيَاحُ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بِهَا ضَعِيفٌ (وَأُمَّهَاتُهَا) أَيْ الرِّيَاحِ (أَرْبَعٌ) أَحَدهَا (الْجَنُوبُ، وَمَهَبُّهَا: قِبْلَةُ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ) وَهُوَ نَجْمٌ كَبِيرٌ مُضِيءٌ يَطْلُعُ مِنْ مَهَبِّ الْجَنُوبِ ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَصِيرَ فِي قِبْلَةِ الْمُصَلِّي، وَيَتَجَاوَزَهَا حَتَّى يَغْرُبَ بِقُرْبِ مَهَبِّ الدَّبُورِ (إلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ، و) مَهَبُّهَا (بِالْعِرَاقِ إلَى بَطْنِ كَتِفِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ، و) الثَّانِيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ (الشَّمَالُ: مُقَابِلَتُهَا) أَيْ الْجَنُوبِ، تَهُبُّ إلَى مَهَبّه (وَمَهَبُّهَا) أَيْ الشَّمَالِ (مِنْ الْقُطْبِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ، وَ) الثَّالِثَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ (الصَّبَا، وَتُسَمَّى الْقَبُولَ) لِأَنَّهَا تُقَابِلُ بَابَ الْكَعْبَةِ. وَمَهَبُّهَا (مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي بِالشَّامِ. لِأَنَّهُ) أَيْ مَهَبُّهَا (مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ صَيْفًا إلَى مَطْلَعِ الْعَيُّوقِ) نَجْمٌ أَحَمَرُ مُضِيءٌ فِي طَرَفِ الْمَجَرَّةِ الْأَيْمَنِ، يَتْلُو الثُّرَيَّا لَا يَتَقَدَّمُهَا (وَ) مَهَبُّهَا (بِالْعِرَاقِ إلَى خَلْفِ أُذُنِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى، مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ، وَ) الرَّابِعَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ (الدَّبُورُ مُقَابِلَتُهَا) أَيْ الصَّبَا سُمِّيَتْ دَبُورًا؛ لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنْ دُبُرِ الْكَعْبَةِ (لِأَنَّهَا تَهُبُّ) بِالشَّامِ (بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَغْرِبِ وَ) تَهُبُّ (بِالْعِرَاقِ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنِ) وَبَيْنَ كُلِّ رِيحَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ: رِيحٌ تُسَمَّى النَّكْبَاءَ. لِتَنَكُّبِهَا طَرِيقَ الرِّيَاحِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ: صِفَاتٌ وَخَوَّاصٌ تُمَيِّزُهَا عِنْدَ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِهَا، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ بِهَا مَنْ عَرَفَهَا فِي الصَّحَارِي وَالْقِفَارِ لَا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالدُّورِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَبِطُ، وَلَا يَنْتَظِمُ دَوَرَانُهَا عَلَى مَهَبِّهَا الْأَصْلِيِّ (وَلَا يَتْبَعُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا خَالَفَهُ) بِأَنْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهَا جِهَةٌ غَيْرُ الَّتِي ظَهَرَتْ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الْآخَرِ. فَأَشْبَهَا الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْحَادِثَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا وَالْمُجْتَهِدَ الْعَالِمَ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ جَهِلَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ. (وَلَا يَقْتَدِي) أَيْ لَا يَأْتَمُّ مُجْتَهِدٌ (بِهِ)، أَيْ بِمُجْتَهِدٍ خَالَفَهُ جِهَةً، كَمَا لَوْ خَرَجَ رِيحٌ مِنْ أَحَدِ اثْنَيْنِ، وَاعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْآخَرِ (إلَّا إنْ اتَّفَقَا) فِي الْجِهَةِ. وَلَوْ مَالَ أَحَدُهُمَا يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا لِلْعَفْوِ عَنْهُ (فَإِنْ) اجْتَهَدَ، أَوْ اتَّفَقَتْ جِهَتُهُمَا وَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ثُمَّ (بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ) فِي اجْتِهَادِهِ (انْحَرَفَ) إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا؛ لِأَنَّهَا تَرَجَّحَتْ فِي ظَنِّهِ (وَأَتَمَّ) صَلَاتَهُ، وَلَا يَسْتَأْنِفُهَا؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ لَا يُبْطِلُ الثَّانِيَ (وَيَتْبَعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ) فَيَنْحَرِفُ إلَى مَا انْحَرَفَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ قَلَّدَ اثْنَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا (وَيَنْوِي الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، ثُمَّ بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ (الْمُفَارَقَةَ) لِإِمَامِهِ لِلْعُذْرِ (وَيَتْبَعُ وُجُوبًا جَاهِلٌ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَاجِزٌ عَنْ تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوج وَقْتٍ: الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ، وَيَتْبَعُ وُجُوبًا و(أَعْمَى، الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إصَابَةٍ فِي نَظَرِهِ (وَلَا مَشَقَّةَ) عَلَيْهِ فِي مُتَابَعَتِهِ، بِخِلَافِ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ الْأَعْلَمِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنْ فِيهِ حَرَجًا وَتَضْيِيقًا. وَمَا زَالَ عَوَامُّ كُلِّ عَصْرٍ يُقَلِّدُ أَحَدُهُمْ مُجْتَهِدًا فِي مَسْأَلَةٍ، وَآخَرَ فِي أُخْرَى. وَهَلُمَّ جَرًّا إلَى مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِتَحَرِّي الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ فِي نَظَرِهِمْ. وَإِنْ أَمْكَنَ أَعْمَى اجْتِهَادٌ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ جَبَلٍ. لَزِمَهُ وَلَمْ يُقَلِّدْ (وَيُخَيَّرُ) جَاهِلٌ وَأَعْمَى وَجَدَ مُجْتَهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ تَسَاوٍ) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَفْضَلِيَّةَ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ (ك) مَا يُخَيَّرُ (عَامِّيٌّ فِي الْفُتْيَا) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ صَلَّى بَصِيرًا حَضَرًا فَأَخْطَأَ، أَوْ) صَلَّى (أَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ) مِنْ اسْتِخْبَارِ بَصِيرٍ؛ أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِلَمْسِ مِحْرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْقِبْلَةِ (أَعَادَا) أَيْ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَلَوْ اجْتَهَدَ الْمُخْطِئُ وَلَوْ لَمْ يُخْطِئْ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا، وَلِوُجُودِ الْمُخْبِرِ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا. فَهُوَ مُفَرِّطٌ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ أَوْ الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِمُجْتَهِدٍ جِهَةٌ) فِي السَّفَرِ، بِأَنْ تَعَادَلَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ رَمَدٌ وَنَحْوُهُ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَلَا إعَادَةَ، لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ {كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ؛ وَلِأَنَّ خَفَاءَ الْقِبْلَةِ فِي الْأَسْفَارِ لِوُجُودِ نَحْوِ غَيْمٍ يَكْثُرُ. فَيَشُقُّ إيجَابُ الْإِعَادَةِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ أَعْمَى) مَنْ يُقَلِّدُهُ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ (جَاهِلٌ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (مَنْ يُقَلِّدُهُ، فَتَحَرَّيَا) وَصَلَّيَا. فَلَا إعَادَةَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَا أُمِرَا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. فَسَقَطَتْ عَنْهُمَا الْإِعَادَةُ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ (أَوْ أَخْطَأَ مُجْتَهِدٌ قَلَّدَ) جَاهِلٌ مُجْتَهِدًا (فَأَخْطَأَ مُقَلَّدَهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (سَفَرًا) فَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَلَّدَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَضَرًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ (وَيَجِبُ) عَلَى عَالِمٍ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (تَحَرٍّ لِكُلِّ صَلَاةٍ)؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ. فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا، كَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَكَالْحَادِثَةِ لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ (فَإِنْ تَغَيَّرَ) اجْتِهَادُهُ (وَلَوْ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (عَمِلَ بِ) الِاجْتِهَادِ (الثَّانِي)؛ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ فِي ظَنِّهِ. فَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لَهُ، (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ. نَصًّا وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. كَمَا قَالَ عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ " ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ. وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي " (وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَقَطْ) بِأَنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا. فَتَعَذَّرَ إتْمَامُهَا (وَمَنْ أُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (بِالْخَطَأِ) لِلْقِبْلَةِ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ (يَقِينًا) وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ (لَزِمَهُ قَبُولُهُ) أَيْ الْخَبَرِ، فَيَعْمَلُ بِهِ وَيَتْرُكُ الِاجْتِهَادَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَبْلَهُ.
لُغَةً: الْقَصْدُ، يُقَالُ: نَوَاك اللَّهُ بِخَيْرٍ، أَيْ قَصْدَكَ بِهِ، وَمَحَلُّهَا: الْقَلْبُ، فَتُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ. وَلَا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِهِ بِغَيْرِ قَصْدِهِ وَتَلَفُّظُهُ بِمَا نَوَاهُ تَأْكِيدٌ وَشَرْعًا (الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ) مِنْ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا (يُزَادُ) فِي حَدِّ النِّيَّةِ (فِي عِبَادَةٍ: تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) بِأَنْ لَا يُشْرِكَ فِي الْعِبَادَةِ بِاَللَّهِ غَيْرَهُ. فَلَوْ أُلْجِئَ إلَيْهَا (بِيَمِينٍ) أَوْ غَيْرِهِ فَفَعَلَ، وَلَمْ يَنْوِ قُرْبَةً لَمْ تَصِحَّ (وَهِيَ) أَيْ النِّيَّةُ (شَرْطٌ) لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وَالْإِخْلَاصُ: عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ مَحْضُ النِّيَّةِ وَلِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ)؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ، فَلَا يَتَأَتَّى الْعَجْزُ عَنْهَا (وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (قَصْدُ تَعْلِيمِهَا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَغَيْرِهِ (أَوْ) قَصْدُ (خَلَاصٍ مِنْ خَصْمٍ، أَوْ إدْمَانِ سَهَرٍ) بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا يُنْقِصُ الْأَجْرَ. وَمِثْلُهُ: قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الصَّوْمِ هَضْمَ الطَّعَامِ أَوْ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الْحَجِّ رُؤْيَةَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَا يَلْزَمُ ضَرُورَةً. كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ النَّظَافَةِ مَعَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُمْتَرِجِ بِثَوْبٍ مِنْ الرِّيَاءِ وَحَظِّ النَّفْسِ: إنْ تَسَاوَى الْبَاعِثَانِ فَلَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا أُثِيبَ، وَأَثِمَ بِقَدْرِهِ. وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَوْبَ الرِّيَاءِ يُبْطِلُ (وَالْأَفْضَلُ: أَنْ تُقَارِنَ) النِّيَّةُ (التَّكْبِيرَ) لِلْإِحْرَامِ لِتُقَارِنَ الْعِبَادَةَ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (فَإِنْ تَقَدَّمَتْهُ) أَيْ التَّكْبِيرَ النِّيَّةُ بِزَمَنٍ (يَسِيرٍ، لَا) إنْ كَانَ التَّقَدُّمُ (قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِ أَدَاءِ) مَكْتُوبَةٍ (وَرَاتِبَةٍ وَلَمْ يَرْتَدَّ) مَنْ قَدَّمَ النِّيَّةَ عَلَى التَّكْبِيرِ (وَلَمْ يَفْسَخْهَا) أَيْ النِّيَّةَ قَبْلَهُ (صَحَّتْ) الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ نِيَّةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَنْوِيًّا، كَالصَّوْمِ وَكَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ؛ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْمُقَارَنَةِ حَرَجًا وَمَشَقَّةً فَوَجَبَ سُقُوطُهُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ الْوَقْتَ لَمْ تُعْتَبَرْ، لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا. وَهُوَ لَا يَتَقَدَّمُ الْوَقْتَ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ. وَكَذَا إنْ ارْتَدَّ أَوْ فَسَخَهَا لِبُطْلَانِهَا بِذَلِكَ (وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا) أَيْ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا دُونَ ذِكْرِهَا، فَلَوْ ذَهَلَ عَنْهَا أَوْ عَزَبَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَكَالصَّوْمِ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ (فَتَبْطُلُ) النِّيَّةُ وَالصَّلَاةُ (بِفَسْخِ) النِّيَّةِ (فِي الصَّلَاةِ)؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا وَقَدْ قَطَعَهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِمَحْظُورَاتِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلُ. وَتَبْطُلُ أَيْضًا (وَتَرَدُّدٍ فِيهِ) أَيْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ اسْتِدَامَتَهَا، فَهُوَ كَقَطْعِهَا (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (وَعَزْمٍ عَلَيْهِ) أَيْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَزْمٌ جَازِمٌ. وَمَعَ الْعَزْمِ عَلَى فَسْخِهَا لَا جَزْمَ فَلَا نِيَّةَ. وَكَذَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ و(لَا) تَبْطُلُ بِعَزْمٍ (عَلَى) فِعْلِ (مَحْظُورٍ) فِي صَلَاتِهِ بِأَنْ عَزَمَ عَلَى كَلَامٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، أَوْ فِعْلِ حَدَثٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْجَزْمَ الْمُتَقَدِّمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ الْمَحْظُورَ وَقَدْ لَا يَفْعَل، وَلَا مُنَاقِضَ فِي الْحَالِ لِلنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَتَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مُنَاقِضٌ. (وَ) تَبْطُلُ النِّيَّةُ (بِشَكِّهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (هَلْ نَوَى) الصَّلَاةَ فَعَمِلَ مَعَهُ عَمَلًا (أَوْ) شَكِّهِ (هَلْ عَيَّنَ) ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا. أَوْ عَيَّنَ مَغْرِبًا أَوْ عِشَاءً (فَعَمِلَ مَعَهُ) أَيْ الشَّكِّ (عَمَلًا) فِعْلِيًّا، كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ رَفْعٍ، أَوْ قَوْلِيًّا، كَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ (ثُمَّ ذَكَرَ) أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَوْ عَيَّنَ؛ لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ خَلَا عَنْ نِيَّةٍ جَازِمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَوَى أَوْ عَيَّنَ، لَمْ تَبْطُلُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتَأْنَفَ (وَشُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مَعَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ تَعْيِينُ مُعَيَّنَةٍ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا فَيَنْوِي كَوْنَ الْمَكْتُوبَةِ ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا، أَوْ كَوْنَ الصَّلَاةِ نَذْرًا، إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، أَوْ تَرَاوِيحَ أَوْ وِتْرًا، أَوْ رَاتِبَةً إنْ كَانَتْ، لَتَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهَا، فَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَنْوِي بِهَا مِمَّا عَلَيْهِ، لَمْ تَصِحَّ (وَلَا) تُشْتَرَطُ نِيَّةُ (قَضَاءٍ فِي فَائِتَةٍ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْآخَرِ يُقَالُ: قَضَيْتُ الدَّيْنَ وَأَدَّيْتُهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ تَعْيِينُ يَوْمِهَا، بَلْ يَكْفِيهِ كَوْنُهَا السَّابِقَةَ أَوْ الْحَاضِرَةَ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَةٌ وَحَاضِرَةٌ وَصَلَّاهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَرْطًا مِنْ أَحَدِهِمَا وَجَهِلَهَا لَزِمَهُ ظُهْرٌ وَاحِدَةٌ يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَتَانِ اعْتَبَرَ تَعْيِينَ السَّابِقَةِ لِلتَّرْتِيبِ، بِخِلَافِ الْمَنْذُورَتَيْنِ (وَ) لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ (أَدَاءً) فِي صَلَاةٍ (حَاضِرَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) لَا نِيَّةُ (فَرْضِيَّةٍ فِي فَرْضٍ) وَلَا إعَادَةٌ فِي مُعَادَةٍ وَنَحْوِهِ، كَالَّتِي قَبْلَهَا، لَكِنْ لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ ظُهْرًا فَائِتَةً فَقَضَاهَا فِي وَقْتِ ظُهْرٍ حَاضِرَةٍ، ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا، وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ فِي وَقْتِهَا وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ، لَمْ تُجْزِ عَنْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ أَيْضًا تَعْيِينُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالظُّهْرَ أَرْبَعًا، لَكِنْ إنْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا: ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا لَمْ تَصِحَّ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا إضَافَةُ الْفِعْلِ لِلَّهِ تَعَالَى، بَلْ يُسْتَحَبُّ بِأَنْ يَقُولَ: أُصَلِّي لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ (وَتَصِحُّ نِيَّةُ) صَلَاةِ (فَرْضٍ مِنْ قَاعِدٍ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ؛ لِأَنَّ اسْتِصْحَابَ النِّيَّةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ كَافٍ. وَكَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ حَامِلَ نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ أَوْ سَتَرَهَا أَوْ أَلْقَى النَّجَاسَةَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ، اكْتِفَاءً بِاسْتِصْحَابِ النِّيَّةِ عِنْدَ الدُّخُولِ (وَيَصِحُّ قَضَاءُ) صَلَاةٍ (بِنِيَّةِ أَدَاءً) بِهَا إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ. كَمَا لَوْ أَحْرَمَ ظَانًّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ يَصِحُّ أَدَاءً فَبَانَ طُلُوعُهَا. صَحَّتْ قَضَاءً (وَ) يَصِحُّ (عَكْسُهُ) أَيْ أَدَاءٌ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ (إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ) بِأَنْ نَوَى عَصْرًا قَضَاءً ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ. صَحَّتْ أَدَاءً كَالْأَسِيرِ إذَا تَحَرَّى وَصَامَ، فَبَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْآخَرِ، كَمَا تَقَدَّمَ و(لَا) يَصِحُّ ذَلِكَ (إنْ عَلِمَ بَقَاءَ الْوَقْتِ) أَوْ خُرُوجَهُ وَنَوَى خِلَافَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ (وَإِنْ أَحْرَمَ) مُصَلٍّ (بِفَرْضٍ) كَظُهْرٍ (فِي وَقْتِهِ الْمُتَّسَعِ) لَهُ وَلِغَيْرِهِ (ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا) بِأَنْ فَسَخَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ (صَحَّتْ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى الْأَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ الْأَقَلَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَدْخُلُ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَكَمَا لَوْ قَلَبَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ. وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ ابْتِدَاءُ فَرْضِهِ (وَكُرِهَ) قَلْبُهُ (نَفْلًا لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ. فَإِنْ كَانَ كَمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَقْلِبَهُ نَفْلًا لِيُصَلِّيَ مَعَهَا. وَعَنْ أَحْمَدَ: فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ فَرْضٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَقْطَعَهُ وَيَدْخُلَ مَعَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَقَطْعُ النَّفْلِ أَوْلَى. (وَإِنْ انْتَقَلَ) مَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ كَظُهْرٍ (إلَى) فَرْضٍ (آخَرَ) كَعَصْرٍ (بَطَلَ فَرْضُهُ) الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ (وَصَارَ) مَا انْتَقَلَ عَنْهُ (نَفْلًا إنْ اسْتَمَرَّ) عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ بِنِيَّةِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ دُونَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَتَصِيرُ نَفْلًا. وَلَا يَصِحُّ الْفَرْضُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ (إنْ لَمْ يَنْوِ) الْفَرْضَ (الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلِهِ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) لِخُلُوِّ أَوَّلِهِ عَنْ نِيَّةِ تَعَيُّنِهِ، (فَإِنْ نَوَاهُ) مِنْ أَوَّلِهِ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ (صَحَّ) كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إحْرَامٌ بِغَيْرِهِ (وَمَنْ أَتَى بِمَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ) أَيْ دُونَ النَّفْلِ، كَتَرْكِ الْقِيَامِ بِلَا عُذْرٍ، وَتَرْكِ رَجُلٍ سَتْرَ أَحَدَ عَاتِقَيْهِ، وَصَلَاةٍ فِي الْكَعْبَةِ، وَاقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَصَبِيٍّ، وَشُرْبٍ يَسِيرٍ وَنَحْوِهِ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ. وَكَانَ نَوَى الْفَرْضَ (انْقَلَبَ) فَرْضُهُ (نَفْلًا)؛ لِأَنَّهُ كَقَطْعِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ. فَتَبْقَى نِيَّةُ الصَّلَاةِ (وَيَنْقَلِبُ نَفْلًا مَا) أَيْ فَرْضٍ (بِأَنْ عَدِمَهُ ك) مَا لَوْ أَحْرَمَ (بِفَائِتَةٍ) يَظُنُّهَا عَلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ (لَمْ تَكُنْ) عَلَيْهِ فَائِتَةٌ (أَوْ) أَحْرَمَ بِفَرْضٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ (لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ)؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ النَّفَلَ، (وَإِنْ عَلِمَ) أَنْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ وَنَوَاهُ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ.
كُلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ فَيَنْوِي الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ، وَالْمَأْمُومُ الِاقْتِدَاءَ، كَالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ مِنْ وَجُوَبِ الِاتِّبَاعِ وَسُقُوطِ سُجُودِ السَّهْوِ وَالْفَاتِحَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَفَسَادُ صَلَاتِهِ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ. وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ، فَكَانَتْ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ (وَإِنْ) كَانَتْ (نَفْلًا) كَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ. فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَالُهُ كَالْفَرْضِ (فَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ) مِنْ مُصَلِّيَيْنِ (أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ، أَوْ) اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ (مَأْمُومُهُ) أَيْ الْآخَرِ لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا. نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَمَّ مَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي الْأُولَى، وَائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا إنْ عَيَّنَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، فَأَخْطَأَ، لَا إنْ ظَنَّ (أَوْ نَوَى) مُصَلٍّ (إمَامَةَ مَنْ) أَيْ مُصَلٍّ (لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ، كَأُمِّيٍّ) لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ نَوَى أَنْ يَؤُمَّ (قَارِئًا) يُحْسِنُهَا، وَكَامْرَأَةٍ أَمَّتْ رَجُلًا لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا؛ لِفَسَادِ الْإِمَامَةِ وَالِائْتِمَامِ. (أَوْ شَكَّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (فِي كَوْنِهِ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا. لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُمَا لِعَدَمِ جَزْمِهِمَا بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِلْجَمَاعَةِ. وَكَذَا لَوْ ائْتَمَّ بِإِمَامَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ (فَإِنْ ائْتَمَّ مُقِيمٌ بِمُقِيمٍ مِثْلِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامٌ مُسَافِرٌ) قَصَرَ الصَّلَاةَ وَكَانَا ائْتَمَّا بِهِ صَحَّ (أَوْ) ائْتَمَّ (مَنْ سُبِقَ) بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ (بِمِثْلِهِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِمَا (فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ لِعُذْرِ السَّبْقِ، فَإِنْ ائْتَمَّ مَسْبُوقٌ بِإِمَامِ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُ أَوْ كَانَا فِي جُمُعَةٍ لَمْ يَصِحَّ، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا إذَا أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ لَمْ تُقَمْ فِيهِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنْ ذَلِكَ لَيْسَ إقَامَةً ثَانِيَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيلٌ لَهَا بِجَمَاعَةٍ، فَغَايَتُهُ: أَنَّهَا فُعِلَتْ بِجَمَاعَتَيْنِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ لَهَا فَيَلْزَمُ لَوْ ائْتَمَّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ بِآخَرَ يَصِحُّ (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ) أَيْ ائْتِمَامُ (مَنْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ الِائْتِمَامَ (أَوَّلًا) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّيَّةِ (إلَّا إذَا أَحْرَمَ) مُصَلٍّ (إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ) أَيْ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ (ثُمَّ حَضَرَ) إمَامُ الْحَيِّ فَأَحْرَمَ (وَبَنَى) صَلَاتَهُ (عَلَى صَلَاةِ) الْإِمَامِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي أَحْرَمَ لِغَيْبَتِهِ (وَصَارَ) هَذَا (الْإِمَامُ مَأْمُومًا) بِالْإِمَامِ الرَّاتِبِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ أَوْ غَيْرَهُ. لَمَّا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: {ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. و(لَا) يَصِحُّ (أَنْ يَؤُمَّ) مَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ أَوَّلًا، وَلَوْ فِي نَفْلٍ. وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ (بِلَا عُذْرِ السَّبْقِ وَالْقَصْرِ) السَّابِقَيْنِ (إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ إمَامٌ، لِحُدُوثِ مَرَضٍ) لِلْإِمَامِ (أَوْ) حُدُوثِ (خَوْفٍ أَوْ) حُدُوثِ (حَصْرٍ) لَهُ (عَنْ قَوْلٍ) وَاجِبٍ كَقِرَاءَةٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْمِيعٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَنَحْوِهِ، لِوُجُودِ الْعُذْرِ الْحَاصِلِ لِلْإِمَامِ، مَعَ بَقَاءِ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ، لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْكُلِّ (وَيَبْنِي) خَلِيفَةُ الْإِمَامِ (عَلَى تَرْتِيبِ) الْإِمَامِ (الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ، وَلِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ (وَلَوْ) كَانَ الْمُسْتَخْلِفُ (مَسْبُوقًا) لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ، وَيَبْنِي عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ، فَإِنْ شَكَّ: كَمْ صَلَّى الْإِمَامُ؟ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُ رَجَعَ (وَيَسْتَخْلِفُ) ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ (مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ) أَيْ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ (فَلَهُمْ) أَيْ الْمَأْمُومِينَ (السَّلَامُ) لِأَنْفُسِهِمْ (وَلَهُمْ) (الِانْتِظَارُ) لَهُ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ، نَصًّا. وَفِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ (وَالْأَصَحُّ يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ مَنْ) أَيْ مُسْتَخْلِفٍ (لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ) فِي الصَّلَاةِ. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَهُ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ نَصًّا وَيَبْنِي عَلَى تَرْتِيبِ الْأَوَّلِ، وَالْأَصَحُّ: يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّهُ يَقْرَأُ سِرًّا مَا فَاتَهُ مِنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى قِرَاءَةِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ صَلَاةَ جَهْرٍ. (وَتَصِحُّ نِيَّةُ مُصَلٍّ) الْإِمَامَةَ (ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ) يَأْتَمُّ بِهِ إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ. وَ(لَا) تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ (شَاكًّا) فِي حُضُورِ مَأْمُومٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ حَضَرَ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ (وَتَبْطُلُ) صَلَاةُ مَنْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ (إنْ لَمْ يَحْضُرْ) وَيَدْخُلْ مَعَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ، أَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ (أَوْ كَانَ) مَنْ ظَنَّ دُخُولَهُ (مَعَهُ حَاضِرًا) فَأَحْرَمَ بِهِ فَانْصَرَفَ (وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ)؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ و(لَا) تَبْطُلُ (إنْ دَخَلَ مَعَهُ) مَنْ ظَنَّ حُضُورَهُ أَوْ غَيْرُهُ (ثُمَّ انْصَرَفَ) عَنْهُ قَبْلَ إتْمَامِ الصَّلَاةِ فَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهَا لَا فِي ضِمْنِهَا وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا، بِدَلِيلِ سَهْوِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدَثِهِ (وَصَحَّ) لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً (لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْفَرِدَ) عَنْ الْجَمَاعَةِ (إمَامٌ وَمَأْمُومٌ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: قَالَ {صَلَّى مُعَاذٌ بِقَوْمِهِ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَقِيلَ لَهُ: نَافَقْتَ، فَقَالَ: مَا نَافَقْتُ، وَلَكِنْ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ مَرَّتَيْنِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِمُفَارَقَتِهِ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُعَجِّلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ انْفِرَادُهُ عَنْهُ بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ، لَمْ يَجُزْ انْفِرَادُهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْفِرَادَ إذَا اسْتَفَادَ بِهِ تَعْجِيلَ لُحُوقِهِ لِحَاجَتِهِ، فَإِنْ زَالَ عُذْرُ مَأْمُومٍ فَارَقَ إمَامَهُ فَلَهُ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَفِي الْفُصُولِ: يَلْزَمُهُ لِزَوَالِ الرُّخْصَةِ. (وَيَقْرَأُ مَأْمُومٌ فَارَقَ) إمَامَهُ (فِي قِيَامٍ) قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ الْبَاقِيَ بِالْقِرَاءَةِ الْمَطْلُوبَةِ (أَوْ يُكْمِلُ) عَلَى قِرَاءَةِ إمَامِهِ إنْ كَانَ قَرَأَ الْبَعْضَ (وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ قِرَاءَةِ إمَامِهِ (لَهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ الْمُفَارِقِ (الرُّكُوعُ فِي الْحَالِ)؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ إمَامِهِ قِرَاءَةٌ لَهُ (فَإِنْ ظَنَّ) مَأْمُومٌ فَارَقَ إمَامَهُ (فِي صَلَاةِ سِرٍّ) كَظُهْرٍ (أَنَّ إمَامَهُ قَرَأَ) الْفَاتِحَةَ (لَمْ يَقْرَأْ) أَيْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِرَاءَةُ، إجْرَاءً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْيَقِينِ. (وَ) إنْ فَارَقَهُ (فِي ثَانِيَةِ جُمُعَةٍ) وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْأُولَى (يُتِمُّ) مُفَارِقٌ صَلَاتَهُ (جُمُعَةً)؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً (وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ مُطْلَقًا) أَيْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا اسْتِخْلَافَ إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَأْمُومٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضِمْنِهَا وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا (وَيُتِمُّهَا) الْإِمَامُ (مُنْفَرِدًا) إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ مَنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاةٍ يَظُنُّ أَنَّهُ أَحْدَثَ) فَظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ) أَحْدَثَ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، لِفَسْخِهِ نِيَّةَ الصَّلَاةِ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا.
|